الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآية رقم (5): {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)}{عسى ربه} أي واجب من الله {إن طلقكن} يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم {أن يبدله أزواجاً خيراً منكن} ثم وصف الأزواج اللواتي كان يزوجه بهن فقال {مسلمات} أي خاضعات لله بالطاعة {مؤمنات} أي مصدقات بتوحيد الله تعالى: {قانتات} أي طائعات وقيل داعيات وقيل مصليات بالليل {تائبات} أي تاركات للذنوب، لقبحها أو كثيرات التوبة {عابدات} وكثيرات العبادة {سائحات} أي صائمات وقيل مهاجرات وقيل يسحن معه حيث ساح {ثيبات} جمع ثيب وهي التي تزوجت ثم بانت بوجه من الوجوه {وأبكاراً} أي عذارى جمع بكر وهذا من باب الإخبار عن القدرة لا عن الكون لأنه قال إن طلقكن وقد علم أنه لا يطلقهن فأخبر عن قدرته أنه إن طلقهن أبدله أزواجاً خيراً منهن تخويفاً لهن..تفسير الآيات (6- 9): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)}قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم} قال ابن عباس بالانتهاء عما نهاكم الله عنه والعمل بطاعته {وأهليكم} يعني مروهم بالخير وانهوهم عن الشر وعلموهم وأدبوهم تقوهم بذلك، {ناراً وقودها الناس والحجارة} يعني الكبريت، لأنه أشد الأشياء حراً وأسرع إيقاداً {عليها ملائكة} يعني خزنة النار وهم الزبانية {غلاظ} أي فظاظ على أهل النار {شداد} يعني أقوياء يدفع الواحد منهم بالدفعة الواحدة سبعين ألفاً في النار لم يخلق الله الرحمة فيهم {لا يعصون الله ما أمرهم} أي لا يخالفون الله فيما أمرهم به ونهاهم عنه {ويفعلون ما يؤمرون} أي لا تأخذهم رأفة في تنفيذ أوامره والانتقام من أعدائه {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم} أي يقال لهم لا تعتذروا اليوم وذلك حين يعاينون النار وشدتها لأنه قد قدم إليهم الإنذار والإعذار فلا ينفعهم الاعتذار لأنه غير مقبول بعد دخول النار {إنما تجزون ما كنتم تعملون} يعني أن أعمالكم السيئة ألزمتكم العذاب.قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً} أي ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى الذنب الذي تاب منه قال عمر بن الخطاب وأبي بن كعب ومعاذ التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقال السن هي أن يكون العبد نادماً على ما مضى مجمعاً على أن لا يعود إليه وقال الكلبي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن وقال سعيد بن المسيب معناه توبة تنصحون بها أنفسكم وقال محمد بن كعب القرظي التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الإخوان.فصل:وقال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب على الفور ولا يجوز تأخيرها سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاث شروط:أحدها: أن يقلع عن المعصية؛ والثاني أن يندم على فعلها، والثالث أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة كانت نصوحاً وإن فقد شرط منها لم تصح توبته فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة المتقدمة والرابع أن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت المعصية مالاً ونحوه رده إلى صاحبه وإن كان حد قذف أو نحوه مكنه من نفسه أو طلب عفوه وإن كانت غيبة استحله منها ويجب أن يتوب العبد من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذنب وبقي عليه ما لم يتب منه هذا مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.(م) عن الأغر بن يسار المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى اللّه فإني أتوب في اليوم مائة مرة».(خ) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «و اللّه إني لأستغفر اللّه وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة»،.(ق) عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «للّه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة» الحديث.(م) عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إن اللّه يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن.وقوله تعالى: {عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ} هذا إطماع من اللّه تعالى لعباده في قبول التوبة وذلك تفضلا وتكرما لا وجوبا عليه {وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أي لا يعذبهم بدخول النار {نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ} يعني على الصراط {يَقُولُونَ رَبَّنا} يعني إذا انطفأ نورا المنافقين {أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} تقدم تفسيره..تفسير الآيات (10- 12): {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}قوله تعالى: {ضرب الله مثلاً} أي بين شبهاً وحالاً {للذين كفروا امرأة نوح} واسمها واعلة {وامرأة لوط} واسمها واهلة وقيل اسمهما والعة ووالهة {كانتا تحت عبد ين من عبادنا صالحين} وهما نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام وقوله من عبادنا إضافة تشريف وتعظيم {فخانتاهما} قال ابن عباس رضي الله عنهما ما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما وكانت امرأة نوح تقول للناس إنه مجنون وإذا آمن أحد أخبرت به الجبابرة من قومها وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل قومها على أضيافه إذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار وإذا نزل به ضيف بالنهار دخنت لتعلم قومها بذلك وقيل أسرتا النفاق وأظهرتا الإيمان {فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً} أي لم يدفعا عن امرأتيهما مع نبوتهما عذاب الله {وقيل ادخلا النار مع الداخلين} وهذا مثل ضربه الله تعالى للصالحين والصالحات من النساء وأنه لا ينفع العاصي طاعة غيره ولا يضر المطيع معصية غيره وإن كانت القرابة متصلة بينهم وأن القريب كالأجانب بل أبعد وإن كان القريب الذي يتصل به الكافر نبياً كامرأة نوح وامرأة لوط لما خانتاهما لم يغن هذان الرسولان عن امرأتيهما شيئاً فقطع بهذه الآية طمع من يرتكب المعصية ويتكل على صلاح غيره وفي هذا المثل تعريض بأمي المؤمنين عائشة وحفصة وما فرط منهما وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده ثم ضرب مثلاً آخر يتضمن أن معصية الغير لا تضره إذا كان مطيعاً وأن وصلة المسلم بالكافر لا تضر المؤمن فقال تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون} يعني آسية بنت مزاحم قال المفسرون لما غلب موسى السحرة آمنت به امرأة فرعون فلما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس فكانت تعذب في الشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة {إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة} فكشف الله لها عن بيتها في الجنة وقيل إن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوها بالصخرة قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة فأبصرت بيتها في الجنة، من درة بيضاء وانتزعت روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجد ألماً وقيل رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي تأكل وتشرب فيها {ونجني من فرعون عمله} يعني وشركه وقال ابن عباس عمله يعني جماعه {ونجني من القوم الظالمين} يعني الكافرين {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها} أي عن الفواحش والمحصنة العفيفة {فنفخنا فيه} أي في جيب درعها ولذلك ذكر الكناية {من روحنا} إضافة تمليك وتشريف كبيت الله وناقة الله {وصدقت بكلمات ربها} يعني الشرائع التي شرعها الله لعباده بكلماته المنزلة على أنبيائه {وكتبه} يعني الكتب المنزلة على إبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهم الصلاة والسلام، {وكانت من القانتين} يعني كانت من القوم القانتين أي المطيعين وهم رهطها وعشيرتها لأنهم كانوا أهل بيت صلاح وطاعة الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون» أخرجه الترمذي وقال حديث صحيح. والله أعلم بمراده..سورة الملك: .تفسير الآيات (1- 2): {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)}قوله عز وجل: {تبارك الذي بيده الملك} أي له الأمر والنهي والسلطان فيعز من يشاء ويذل من يشاء {وهو على كل شيء قدير} أي من الممكنات {الذي خلق الموت والحياة} قيل أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء وإنما قدم الموت لأنه أقرب إلى قهر الإنسان، وقيل قدمه لأنه أقدم وذلك لأن الأشياء كانت في الابتداء في حكم الموتى كالتراب والنطفة والعلقة ونحو ذلك ثم طرأ عليها الحياة وقال ابن عباس خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلقت الحياة على صورة فرس بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقاها في العجل فخار وحيي وقيل إن الموت صفة وجودية مضادة للحياة، وقيل الموت عبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد وضده الحياة وهي القوة الحساسة مع وجود الروح في الجسد وبه سمي الحيوان حيواناً وقيل إن الموت نعمة لأن الفاصل بين حال التكليف في هذه الدار وحال المجازاة في دار القرار والحياة أيضاً نعمة إذ لولاها لم يتنعم أحد في الدنيا ولم يصل إليه الثواب في الآخرة {ليبلوكم} أي ليختبركم فيما بين الحياة إلى الموت {أيكم أحسن عملاً} روي عن ابن عمر مرفوعاً أحسن عملاً أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته وقال الفضيل بن عياض أحسن عملاً أخلصه وأصوبه، وقال أيضاً العمل لا يقبل حتى يكون خالصاً صواباً فالخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة وقيل أيكم أزهد في الدنيا {وهو العزيز} أي الغالب المنتقم ممن عصاه {الغفور} أي لمن تاب إليه ورجع عن إساءته..تفسير الآيات (3- 8): {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)}قوله تعالى: {الذي خلق سبع سموات طباقاً} يعني طبقاً على طبق بعضها فوق بعض كل سماء مقبية على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض قال كعب الأحبار سماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفر أو قال نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء وما بين السماء إلى الحجب السبعة صحار من نور، {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} أي ما ترى يا ابن آدم في شيء مما خلق الرحمن اعوجاجاً ولا اختلافاً ولا تناقضاً بل خلقهن مستقيمة مستوية {فارجع البصر} أي كرر النظر {هل ترى من فطور} أي من شقوق وصدوع {ثم ارجع البصر كرتين} قال ابن عباس مرة بعد مرة {ينقلب} أي ينصرف {إليك} فيرجع {البصر خاسئاً} أي صاغراً ذليلاً مبعداً لم ير ما يهوي {وهو حسير} أي كليل منقطع لم يدرك ما طلب {ولقد زينا السماء الدنيا} أي القربى من الأرض وهي التي يراها الناس {بمصابيح} أي بكواكب كالمصابيح في الإضاءة وهي أعلام الكواكب، وقال ابن عباس بنجوم لها نور وقيل خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ورجوماً للشياطين وهو قوله تعالى: {وجعلناها رجوماً للشياطين} قال ابن عباس: يرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع.فإن قلت جعل الكواكب زينة للسماء يقتضي بقاءها وجعلها رجوماً للشياطين يقتضي زوالها فكيف الجمع بين هاتين الحالتين.قلت قالوا إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة وترمي الشياطين بتلك الشعلة وهي الشهب ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار وهي على حالها {وأعتدنا لهم} أي وأعتدنا للشياطين بعد الاحتراق في الدنيا {عذاب السعير} أي في الآخرة وهي النار الموقدة {وللذين كفروا بربهم} أي ليس العذاب مختصاً بالشياطين بل لكل من كفر بالله من إنس وجن {عذاب جهنم وبئس المصير} ثم وصف جهنم فقال تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً} هو أول صوت نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات {وهي تفور} أي تغلي بهم كغلي المرجل وقيل تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل، {تكاد تميز} أي تتقطع {من الغيظ} من تغيظها عليهم {كلما ألقي فيها فوج} أي جماعة {سألهم خزنتها} يعني سؤال توبيخ وتقريع {ألم يأتكم نذير} أي رسول ينذركم.
|